ST - George
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

زائر بــلا موعد .... مسافر بــلا وداع

اذهب الى الأسفل

زائر بــلا موعد .... مسافر بــلا وداع Empty زائر بــلا موعد .... مسافر بــلا وداع

مُساهمة  marmar الخميس ديسمبر 20, 2007 5:13 pm

لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أول أبنائي .. ما زلت أذكر تلك الليلة .. سهرت حتى آخر الليل مع الشلة في إحدى الاستراحات .. كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ .. بالغيبة والتعليقات غير اللائقة .. كنت أنا الذي أتولي في الغالب إضحاكهم .. وغيبة الناس .. وهم يضحكون .. أذكر ليلتها كم أضحكتهم كثيراً .. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد .. بإمكاني تغيير نبره صوتي حتى تصبح قريبه من نبرة الشخص الذي أسخر منه .. كنت أسخر من هذا وذاك .. ولم يسلم أحد منى أحد حتى أصحابي .. صار بعض الناس يتجنبني كي يسلم من لساني .. أذكر تلك الليلة كيف سخرت من أعمي رأيته يتسول في السوق .. والأدهى أنني وضعت قدمي أمامه فتعثر قدماه وسقط يتلفت حوله لا يدرى ما يقول .. وانطلقت ضحكتي تدوى في السوق .. عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة .. وجدت زوجتي في انتظارى .. كانت في حالة يرثي لها .. قالت بصوت متهدج: يوسف ... أين كنت قلت ساخراً : في المريخ .. عند أصحابي بالطبع ... كان الإعياء بادياً عليها .. قالت والعبرة تخنقها: يوسف أنا متعبة جداً ..
الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكاً .. سقطت دمعة صامتة على خدها .. أحسست أنني أهملت زوجتي ... كان من المفترض أن أهتم بها وأقلل من سهراتي .. خاصة أنها في شهرها التاسع .. حملتها إلى المستشفي بسرعة .. دخلت غرفة الولادة .. قاست الآلام ساعات طوال .. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر .. تعسرت ولادتها .. فانتظرت طويلا حتى تعبت .. فذهبت إلى البيت .. وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني .. بعد ساعة .. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم نادر الاسم الذي اخترته لأبني ذهبت إلى المستشفي فوراً .. أول ما رأوني أسال عن غرفتها .. طلبوا مني مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي .. صرخت بهم: أي طبيبة ! المهم أن أري ابني نادر .. قالوا .. أولاً .. راجع الطبيبة ...

الجزاء من نفس نوع العمل
دخلت على الطبيبة ... كلمتني عن المصائب .. والرضي بإرادة الله .. ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!

خفضت رأسي ... حاولت أن أغلب دموعي .. تذكرت ذاك المتسول الأعمى .. الذي أسقطه على الأرض في السوق وأضحكت عليه الناس .. بقيت واجما قليلاً .. لا أدري ماذا أقول .. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها .. ومضيت لأري زوجتي .. لم تحزن زوجتي .. كانت مؤمنة بإرادة الله .. راضيه .. طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس .. كانت تردد دائماً .. لا تغتب الناس .. خرجنا من المستشفي .. وخرج نادر معنا .. في الحقيقة .. لم أكن أهتم به كثيراً .. اعتبرته غير موجود في المنزل .. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها .. كانت زوجتي تهتم به كثيراً .. وتحبه كثيراً .. أما أنا فلم أكن أكرهه .. لكني لم استطع أن أحبه ! كبر نادر .. بدا يحبوا .. كانت حبوته غريبه .. قارب عمره السنة بدأ مسيرة المشي .. فاكتشفنا أنه أعرج .. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر .. أنجبت زوجتي بعده فادي وكيرلس .. وكبر أخواه .. كنت لا أحب الجلوس في البيت ... دائما مع أصحابي .. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم .. لم تيأس زوجتي من إصلاحي .. كانت تدعو لي دائما بالتوبة .. لم تغضب من تصرفاتي الطائشة .. لكنها كانت تحزن كثيراً كلما رأت إهمالي لنادر واهتمامي بباقي إخواته .. كبر نادر .. وكبر معه همي .. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدي المدارس الخاصة بالمعاقين .. لم أكن أحسب مرور السنوات .. أيامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر .. في يوم أحد .. استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً .. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي .. كنت مدعو إلى وليمة .. لبست وتعطرت وهممت بالخروج .. مررت بصالة المنزل .. استوقفني منظر نادر .. كان يبكي بحرقة !

كل كائن له رسالة
إنها المرة الأولي التي انتبه فيها إلى نادر يبكي منذ كان طفلاً .. عشر سنوات مضت .. لم ألتفت إليه .. حاولت أن أتجاهله .. فلم احتمل .. كنت اسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة .. ألتفت .. ثم اقتربت منه .. قلت : نادر ! لماذا تبكي ! حين سمع صوتي توقف عن البكاء .. فلما شعر بقربي .. بدأ يتحسس ما حوله بيديه الصغيرتين .. ما به يا تري ! اكتشفت



أنه يحاول الابتعاد عني !! وكأنه يقول : الآن أحسست بي .. أين أنت منذ عشر سنوات ! تبعته .. كان قد دخل غرفته .. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه .. حاولت التلطف معه .. بدا نادر يبين سبب بكائه .. وأنا أسمع إليه وأنتفض .. تدري ما السبب !!
تأخر عليه أخوه فادي .. الذي اعتاد أن يصطحبه إلى الكنيسة ولأنها صلاة القداس .. خاف ألا يجد مكاناً في الصف الأول .. نادي فادي .. ونادي والدته .. ولكن لا مجيب .. فبكي .. أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين .. لم أستطع أن أتحمل بقيه كلامه .. وضعت يدي على فمه .. وقلت: لذلك بكيت يا نادر !! .. قال : نعم .. نسيت أصحابي .. ونسيت الوليمة .. وقلت: نادر لا تحزن .. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى الكنيسة .. قال : أكيد فادي .. لكنه يتأخر دائماً .. قلت : لا .. بل أنا سأذهب بك .. لم يصدق .. ظن أني أسخر منه .. استعبر ثم بكي .. مسحت دموعه بيدي .. وأمسكت يده .. أردت أن أوصله بالسيارة .. رفض قائلاً: الكنيسة قريبه .. أريد أن أخطوا إلى الكنيسة .. لا أذكر متى كانت أخر مرة دخلت فيها الكنيسة .. لكنها المرة الأولي التي أشعر فيها بالخوف .. والندم على ما فرطت فيه طوال السنوات الماضية .. كانت الكنيسة مليئة بالمصلين .. إلا أنني وجدت لنادر مكاناً في الصف الأول .. استمعنا للعظة معا وصلي بجانبي .. بل في الحقيقة صليت بجانبه .. بعد انتهاء الصلاة طلب مني نادر إنجيلاً ... استغربت!! كيف سيقرأ وهو أعمي كدت أن أتجاهل طلبه .. لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره .. ناولته الإنجيل طلب مني أن أفتح الإنجيل على إنجيل متى .. أخذت أقلب الصفحات تارة .. وأنظر الفهرس تارة .. حتى وجدتها .. أخذ منى الإنجيل .. ثم وضعه أمامه .. وبدأ في قراءة الإصحاح .. وعيناه مغمضتان ..
إنه يحفظ الإنجيل !! خجلت من نفسي .. أمسكت إنجيلاً .. أحسست برعشة في أوصالي .. قرأت .. وقرأت .. دعوت الله أن يغفر لي ويسامحنى .. لم استطع الاحتمال .. فبدأت أبكي كالأطفال .. كانت بعض الناس لا تزال جالسة لبعض الوقت .. خجلت منهم .. فحاولت أن أكتم بكائي .. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق .. لم أشعر إلا بيد صغيره تتلمس وجهي .. ثم تمسح عني دموعي .. إنه نادر !! ضممته إلى صدري .. نظرت إليه .. قلت في نفسي .. لست أنت الأعمى .. بل أنا الأعمى ..

تغيير عجيب

عدنا إلى المنزل .. كانت زوجتي قلقة كثيراً على نادر .. لكن قلقها تحول إلي فرح ممزوج بالدموع حين علمت أنني ذهبت للكنيسة مع نادر .. منذ ذلك اليوم لم يفتني قداس .. هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة طيبه كلهم من أبناء الكنيسة .. ذقت طعم الإيمان معهم .. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا .. أحسست أني أكثر قرباً من أسرتي .. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي .. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني نادر .. من يراه يظنه أنه ملك الدنيا وما فيها .. شكرت الله كثيراً على نعمته ...
سفـــر مفاجئ

ذات يوم سافرت للعمل لمدة ثلاثة أشهر قبل أن أغادر المنزل توجهت إلى نادر .. أخبرته بأنني مسافر .. ضمني بذراعية الصغيرتين مودعاً .. كنت خلال تلك الفترة أتصل كلما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدث أبنائي .. اشتقت إليهم كثيراً .. آآآآه كم اشتقت إلى نادر!!
تمنيت سماع صوته .. هو الوحيد الذي لم يحدثني منذ سافرت .. إما أن يكون في المدرسة أو الكنيسة ساعة اتصالي بهم .. كلما حدثت زوجتي عن شوقي إليه .. كانت تضحك فرحاً .. إلا آخر مرة هاتفتها فيها .. لم أسمع ضحكتها المتوقعة .. تغير صوتها قلت لها : أبلغي سلامي لنادر .. فقالت : إن شاء الله .. وسكتت ..
لـــم تكن صــدفه

أخيراً عدت إلى المنزل .. طرقت الباب .. تمنيت أن يفتح لي نادر .. لكن فوجئت بابني كيرلس الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره .. حملته بين ذراعي وهو يصرخ : بابا .. بابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت .. أقبلت إلى زوجتي .. كان وجهه متغيراً .. كأنها تتصنع الفرح .. تأملتها جيداً .. ثم سألتها : ما بك قالت : لا شيء .. فجأة تذكرت نادر .. فقلت .. أين نادر خفضت رأسها .. لم تجب .. سقطت دمعات حارة على خديها .. صرخت .. نادر .. أين نادر .. لم أسمع حينها سوى صوت ابني كيرلس .. يقول بلثغته : بابا نادر راح السما .. عند يسوع .. لم تتحمل زوجتي الموقف .. أجهشت بالبكاء .. كادت أن تسقط على الأرض .. فخرجت من الغرفة .. عرفت بعدها أن نادر أصابته حمى قبل موعد مجيئي بأسبوعين .. فأخذته زوجتي إلى المستشفي .. فاشتدت عليه الحمى .. ولم تفارقه .. حين فارقت روحه جسده ... ولادة نادر بهذا الشكل لم تكن صدفه بل كان بهدف عند الله وسافر نادر بعد ما تحقيق هذا الهدف وفرحته بالله في حياته .. الرب صالح للكل ومراحمه على كل أعماله (مز9:145)
marmar
marmar

انثى عدد الرسائل : 326
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 05/11/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى